مرتبة الشغف


تخرجت من الثانوية العامة عام 2013 وكعادة أغلب خريجي الثانوية دائمًا ما يشعرون بالضياع والتردد وعدم القدرة على اتخاذ قرارات صائبة تخص مستقبلهم الجامعي. وهذا يقودنا إلى شيء مهم وهو  قلة أو انعدام البرامج المعدة لتهيئة الطلاب للجامعة وتعريفهم بتخصصاتها حتى ولو كانت محدودة .خلال الثلاثة أشهر التي تلت تخرجي كنت أعيش لحظات تردد كثيرة في اتخاذ التخصص المناسب لي ،هل أتخصص تخصص اللغة إنجليزية، التخصص الذي لطالما حلمت به منذ صغري أم تخصص آخر واتعلم اللغة الإنجليزية بجانب دراسته؟ ,وللأسف تناسيت أن الشغف لا يمكن أن يتم تعلمه فقط ،الشغف هو أفكار نعيشها يوميًا ونغرق في تفاصيلها دون وعيًا كافً منّا.
معظم من قابلتهم والأشخاص المحيطين بي نصحوني باختيار تخصص آخر لقلة وظائف اللغة الإنجليزية وتكدس خريجي القسم في البيوت، نصحوني باختيار تخصص تربوي بحجة عدم فائدة شهادة كليات الآداب. ولكن لا أستطيع أن ألقي اللوم عليهم لأنه من المفترض مني أن أتبع ما يمليه علي قلبي وعقلي وعدم الالتفات لهم ولكن صغر سني وقلة خبرتي أثر على اتخاذ قراري بشكل كبير. بالحديث عن عدم فائدة شهادة كليات الآداب ،اسمحوا لي أن أقول أنه كلام فارغ ولا أساس له من الصحة، الوظائف التي لا تقبل شهادات الآداب لوحدها هي وظائف التعليم وأما الجهات الأخرى فلا ترفضها بالطبع كما يُقال . في ذلك الوقت أي قبل 5 سنوات كان تخصص التربية الخاصة يعيش عصره الذهبي وكان لا يُقبل فيه إلا أعلى النسب وأفضلها، قدمت فيه أول كأول رغبة وقُبلت. كان يراودني شعور غريب أنه ليس المستقبل الذي رسمته لنفسي، كنت دائمًا أتخيل نفسي أشرح واتحدث باللغة الإنجليزية وأحضر محاضرات الأدب والترجمة ، كان كل شيء فيني بدءًا من أفكاري وانتهاءًا بمظهري مرتبط باللغة الإنجليزية. انتهى هذا الخيال بمجرد بداية الدراسة وانغماسي في حياتي وعالمي الجديد. المستوى الأول مر سريعًا بدون أن أشعر بأنني اقترفت أي خطأ. بدأ المستوى الثاني وبدأت الاستعداد له بشراء الكتب، عند ذهابي للمكتبة لشراء كتب تخصصي ، نظرت لكتب تخصص اللغة الإنجليزية وشعرت أنه يجب علي اشتريها بدلًا من كتب التربية الخاصة. خرجت من المكتبة سريعًا وتجاهلت شعوري مرة أخرى. في الأسبوع الثاني من الدراسة وبعد إغلاق طلبات التقديم للتحويل، راودني شعور غريب وقاتل أنه يجب علي أن أغير مستقبلي ،كنت مثل الشخص العالق في متاهة متى ما فتح باب وجد أمامه باب آخر مُغلق. كنت أردد أنتِ لا تنتمين إلى هنا! ابحثي عن مخرج, كنت بائسة جدًا، لم يخطر على بالي أبدًا في يومًا ما أنه سيأتي يوم وأكره الدراسة والجامعة لهذا الحد. الجامعة التي كانت المهرب لي من تشدد المدرسة الفكري والملجأ الفكري من بيئتي المحيطة التي لا يوجد بها أي مظهر من مظاهر الفكر. لم أخبر أحدًا بقراري وصليت صلاة استخارة، صليتها بعمق، لأن الحلول اختفت من حياتي. كنت أتوسل إلى الله أن يخرجني من هذا الشعور الخانق، الشعور الذي قيّد عقلي وروحي ولن أخفي عليكم بعد تلك الصلاة أنني كنت في أكثر حالاتي قوة وشجاعة في اتخاذ القرار بمعية الله أولًا وأخيرًا.

اتجهت لرئيسة القسم أريد أن استفسر عن كيفية التحويل، لكن بدأت بالتقليل من تخصص اللغة الإنجليزية وسألتني عن معدلي وأخبرتها ،كان معدلي وقتها يقارب الـ5،هنا أصرت على بقائي وطلبت مني عدم التحويل وذكرت أن تخصص اللغة الإنجليزية يقبل معدل (2) لضعف الطلاب فيه. هنا يستوقفني فكرة أن معدلك العالي هو مقياس نجاحك فقط، ما فائدة المعدل إذا كنت شخص غير منتج، شخص تنافس ذاكرة الجهاز في حفظ المعلومات، شخص أسرع من الآلة الكاتبة في تفريغ ما حفظته على ورقة بيضاء! هذه كانت صفاتي في تخصصي السابق. زادني كلامها إصرارًا وتمسكًا برأيي ليس بسبب القوة التي فيني ولكن لم يعد لدي شيء لأخسره، تركت الحياة تأخذ مجراها وتجاهلت الماضي والمستقبل والخوف من المجهول ونصبت تركيزي على فكرة الرحيل والخروج من هذه السجن. خسرت وقتي وشغفي ودراستي الأمر المحبب لقلبي، ماذا سأخسر بعد! لا يهم، وبعدها قدمت طلب التحويل. تيقنت في هذه المرحلة بيقين كامل بأن ارتداء درع المحارب وقناع الفارس في طريق مجهول لا يعني أنك تقاوم وتحارب، ربما يكون الاستسلام والتراجع وتغيير الطريق نجاة لك. كانت هذه الأربعة أشهر من أسوء أيام حياتي ،وقّعت على إنذارات عديدة لكثرة غيابي كنت قريبة من الحرمان في مادة وحتى أنّي اعتذرت عن مادة أخرى. لم أسلم واجباتي ولا عروضي ولم أعمل أي شيء يذكر كنت في مرحلة الاستسلام وعدم الرغبة. وهنا أتذكر صديقاتي صديقات طيشي وجنوني، صديقات فشلي ونجاحي وفوق هذا كله صديقات قلبي،  قاموا بجميع أعمالي مع أنني كنت أرفض عروض مساعدتهن لي، لأني ببساطة غير مقتنعة! وبالحديث عن الصداقات، لم يكن لدي أي صداقة قوية تذكر في المراحل السابقة من حياتي، وعندما دخلت الجامعة صادقت ست صديقات دفعة واحدة ولكن كان قرار الرحيل وتغيير التخصص أقوى من أي أمر آخر أريد البقاء لأجله.

رمضان 5-9- 1435 هـ أُعلنت نتائج التحويل ولا أتذكر أنني في حياتي صرخت فرحًا كصراخ فرحتي باعتماد تحويلي. شعرت أنني بدأت أرجع للحياة، بدأت أتنفس الأمل والثقة بقدرة الله على تحقيق ما تريد ثم بسعيك له. بدأت الدراسة الجامعية من جديد كنت متخوفة من فشلي مرة أخرى، مر المستوى الأول سريعًا أيضًا وبنهايته تأكدت أنني اتخذت القرار الصائب. بدأت المستوى الثاني وكنت أجلس وحيدة معظم وقتي، لم أكون صداقات وثيقة معظمها أحاديث عابرة، جلوسي لوحدي فادني كثيرًا كنت أقرأ لساعة أو ساعتين متواصلة مما انعكس على فهمي لأمور الحياة الكثيرة وعلى شخصيتي أيضًا. كنت أحب تخصصي واستمتع بالمحاضرات، لكن تلك الفترة كنت غير قادرة على الفرح، معظم وقتي صامتة ومحتارة، أنهض كل يوم بلا سبب. حقيقة لا أعلم ما أصابني، كنت أعيش حياة عادية مملة رتيبة، اتحرك فقط ولكن لا اتقدم مثل شخص يجلس على كرسي هزاز، يتحرك للأمام والخلف لكن لا يتقدم. في كل مرة اعود للمنزل أحاول أن أنام أكبر عدد ممكن من الساعات للانفصال عن واقع لا أعلم لماذا لا يعجبني! كنت أقول لنفسي حققت ما تتمنين أليس من المفترض أن تكوني سعيدة؟ كان تساؤلي هذا يقتلني. الشيء الذي لم أجد له تفسير حتى الآن هو أنني كنت لا أريد أحد أن يلحظ وجودي أو ألفت انتباه أحد. سافرت مرة وغبت يومين متتالين وعندما عدت، قالت لي إحدى الأستاذات " لم أرك منذ زمن!" سألت نفسي كيف لاحظت وجودي؟ كل مرة أقرر أن أخرج من هذه الحالة وأتواصل مع طبيب نفسي، أجد نفسي ممسكة بهاتفي وأتساءل "ماذا سأخبر الطبيب؟" "كيف أشرح له علتي وأنا لا أعرف ماذا بي أصلًا؟" . توقعت أنني أمر بحالة اكتئاب، لكن انتهت هذه الحالة بمجرد انتهاء الدراسة وبدء العطلة الصيفية. أثرت علي هذه الحالة كثيرًا وحصلت على معدل سيئ كان بمثابة المنبه  والصفعة لي، مع أنني لم أواجه أي ضغوط أو مصاعب دراسية إلا ما ندر، بعدها أيقنت أن حالتك العقلية تتطلب منك اهتمام يوازي الاهتمام بحالتك الجسدية وأن التخلص من الاكتئاب من تجربتي الشخصية لا يعني أنك ستكون سعيد يوميًا! يعني أن تكون أقوى ولديك هدف تعمل عليه وتظهر طاقتك وقوتك وأفكارك فيه وهو "الغمر" أن تغمر نفسك في دراسة أو عمل أو شغف وهواية.

بدأت العطلة الصيفية لم أدخر جهدًا في تطوير لغتي الإنجليزية وشخصيتي، كنت أعلم في قرارة نفسي أنه أنا المسؤولة فقط عن تغيير حياتي والمضي قدمًا في الحياة ولا أحمل أي شخص مسؤولية تغيير حياتي وما يحدث لي . بدأت المستوى الثالث بحماس وعزم على الاهتمام بدراستي أكثر وتجاهلت كل ما يحيط بي عند دخولي باب الجامعة وأجمل ما حدث في هذا المستوى رفعي لمعدلي الفصلي 35 نقطة ،وهنا أنوه على أن رفع المعدل بصورة كبيرة وارد وليس بالأمر الصعب والمستحيل كما يقولون معظم الطلاب . في بداية المستوى الثالث طلبت منا دكتورة الحديث عن أي شيء باللغة الإنجليزية، أنا لم أتدرب على مهارة المحادثة أبدًا، وقفت وتكلمت لكن لم يكن بالصورة التي كنت أتوقع أن أظهر بها. فشل آخر! أتذكر يومها أنّي كتبت تغريدات تعتصر فشلأ وخذلانًا. كنت محبطة، عملت طوال العطلة الصيفية ثم أظهر بهذا الشكل؟ عرفت حينها أن بذل المجهود لوحده غير كافي، كان يجب علي معرفة مواطن الضعف والقوة في لغتي الإنجليزية، وبناءًا عليها توزيع الجهد بذكاء والعمل بذكاء أيضًا لتطوير لغتي الإنجليزية . بحثت عن مخرج وحل وبفضل الله تمكنت من تطوير مهارتي في التحدث. مع مرور الأيام استطيع القول بأن تخصصي تحول من حب إلى شغف وهذا انعكس علي وعلى من حولي، فكنت دائمًا أتلقى رسائل من الصديقات والزميلات عن كيفية تطوير لغتهن ومواضيع تخص اللغة الإنجليزية. كانت تراودني فكرة إنشاء نادي للغة الإنجليزية في كليتنا أو في المحافظة ، فمرة كنت أتحدث كتابيًا مع أستاذتي كانت تدرسني مادة الكتابة في تخصصي السابق، رسّخت الفكرة في عقلي وشجعتني لتنفيذها. تواصلت مع مشرفة الأنشطة وأُعجبت بالفكرة. كنت أطير فرحًا مع أنني كنت خائفة وغير مستعدة لمواجهة الجمهور والحديث. لكن كنت مؤمنة بأنه أفضل حل للقضاء على مخاوفك هو أن تواجهها. حددنا موعد للقاء النادي الأول، لكن حدث مالم أكن أتوقعه رفضت المشرفة الحضور لأنني لم اطلعها على ما سيتم عرضه، قالت بأنها ستتحمل مسؤولية عرضي لشيء مخالف. كان موقفي سيئ، امتلأت القاعة بالحضور لكن لم استطع أن أقدم شيء بدونها. طغت علي مخاوفي! كنت أتمنى لو أنّي تجاهلت عدم حضورها وبالبدء بعرضي، لكن تأخر الوقت وبدأن الطالبات في الانصراف لبدء موعد المحاضرات. فشلت فشل آخر! أصبح الفشل عادة بالنسبة لي تعودت عليه كثيرًا، أصبحت أتلذذ به. ولكن هذه المرة على غير عادتي أثناء فشلي، لم أحزن.

بدأ المستوى الرابع وتناسيت أمر النادي تمامًا وحتى أنّي قررت عدم الظهور والمحاولة مجددًا، كنت  متأثرة بالأمر مما أفقدني الثقة بما أملك من معلومات. وحتى هنا لم يكن للمشرفة علاقة بفقدان ثقتي بنفسي وبما أملك أتحمل الغلط كليًا، كان يجب علي أن أصبح سيدة موقف وأنقذ الأمر وأتدارك الموضوع ولكن شخصيتي المهزوزة والغير الواثقة تلبستني كليًا ذلك اليوم. أثناء دراستي في المستوى الرابع، رأيت إعلانات المؤتمر العلمي في أرجاء الجامعة وفي مواقع التواصل. قررت بتردد وقليل من الثقة بنفسي المشاركة فيه. كنت أريد أن أكتب بحث وبدأت فعليًا بكتابة مباحثه الرئيسية، لكن  لم أستطع تقديمه خلقت لنفسي أعذار من العدم وتحججت بضيق الوقت لن أقول هنا أنني فشلت، لأني لم أحاول أصلًا . مع مرور الأيام اكتشفت وادركت أن مقولة " ليس لدي وقت كافي" لا أساس لها من الصحة لو كان ما أريد تحقيقه من أولوياتي، سأجد حتمًا وقت له. انتهى المستوى الرابع، وبدأت العطلة الصيفية .في يومًا ما تلقيت رسالة من صديقتي بأن نادي مدرسة الحي يبحث عن أستاذات متطوعات لتعليم اللغة الإنجليزية للأطفال، فاقترحت اسمي على مشرفة النادي وبدأت بالتدريس هناك كمتطوعة. كانت تجربة جيدة نوعًا ما، الفروق الفردية بين الطلاب كانت عائق كبير ولأنها كانت مبادرة تطوعية، أتفاجئ كل يوم بطلاب جدد مما زاد الأمر صعوبة، لأنني لم أعرف مستواهم الحقيقي ومن أين يمكن أن أبدئ. إلى أي طالب جامعي وحتى طالب مدرسي، العطلة الصيفية لدينا بمثابة العقاب للطلاب والطالبات، البيئة القاحلة من الأنشطة الصيفية لدينا جريمة بحق كل فرد وأسرة. إذا استطعت أن تقدم دورة تدريبية أو تعليم الأطفال أو المراهقين صنعة تتميز وتبدع فيها، أرجوك لا تتردد في تقديمها. لدينا أطفال وحتى أشخاص كبار متعطشين للعلم والتدريب والتثقيف، تواصل مع مراكز التنمية الاجتماعية، أندية الحي، مراكز التدريب في مدينتك واعرض عليهم خدماتك. ربما ستتعرض للرفض لكن ستجد مكان لك بطريقة أو بأخرى. العمل يصقل شخصيتك، يجعلك تتعرف على نفسك أكثر ستتفاجأ من نفسك ومن قدراتها ستقابل نسخة جديدة من نفسك عند انتهائك من التجربة، فقط اعطِ نفسك فرصة.

بدء المستوى الخامس، وكنت اقترب أكثر وأكثر من حلم التخرج. بدأت بأن أكون أكثر وعيًا وحرصًا على مستقبلي، أتذكر حينها أنّي كتبت تغريدة تقول " مشتاقة لفرحة إنجاز." وعندما تريد وتشتاق لشيء، تتفق جميع عناصر الحياة على تحقيقه وكل شيء تراه أمامك بمثابة رسالة إلهية لك. أثناء تجولي في ممرات الجامعة، رأيت إعلان عن مسابقة على مستوى الجامعة ومن ضمن فروعها " مسار الأبحاث" قررت وعزمت هذه المرة على المشاركة. بدأت بتقديم استمارات التسجيل وبدأت في كتابة بحث عن أسباب ضعف الطالبات في اللغة الإنجليزية وكانت عينة البحث طالبات قاعتي . في هذه الفترة لم أتلق اي اهتمام من كليتي، تواصلت معهم أكثر من مرة لتعيين مشرفة لكن لم يتم تعيين أحد . بدأت بكتابته بنفسي واعتمدت بعد الله على الإنترنت وشروحات اليوتيوب في كيفية كتابة الأبحاث، الإنترنت واليوتيوب بمثابة مدارس على مدار الساعة إذا استغليناها في صالحنا، وخصوصًا عند البحث باللغة الإنجليزية ،بالطبع لقوة المحتوى باللغة الإنجليزية . قبل تسليم بحثي بأسبوع واحد، تم تعيين مشرفة واعجبت بما قدمته، أجرت بعض التعديلات ونبهتني على أخطاء نحوية فيه. سلمت بحثي ونسيت أمره.

في المستوى السادس، أنشأت دكتورة نادي اللغة الإنجليزية شعرت أنها فرصتي لكي أشارك الآخرين بما كنت أود مشاركته. في البداية انضممت للنادي كمسؤولة مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه لم يكن لدي الجرأة الكافية للحديث أمام الجمهور. واستمريت طيلة المستوى كمسؤولة لمواقع التواصل فقط. قبل نهاية المستوى رأيت كليات جامعة الأمير سطام الأخرى أنها بدأت في تكريم طالباتها الفائزات في مسابقة التميز بعدها عرفت أن الحظ لم يحالفني في الفوز، لو كنت من الفائزات ستخبر الجامعة كليتي بالأمر. كنت أمشي بجانب مكتب مشرفة الأنشطة، فقلت لنفسي استفسري عن الأمر، وذهبت لها واستفسرت منها وتواصلت مشكورة مع الجامعة واخبروها بأنني حصلت على المركز الثالث على مستوى الجامعة ،تحققت الفرحة التي كنت مشتاقةً لها!. كنت سعيدة جدًا لأنّي وأخيرًا تخلصت من عقدة الفشل وعدم اكتمال الأمور مثل ما يجب ،فلأول مرة أتذوق طعم النجاح بعد كل سنين الفشل تلك! زدت ثقتي بنفسي ووعدتها بأن أخوض التجارب لأكتشفها واكتشف قدراتها. بدأ رمضان ولا زلت متذكرة الوعد الذي قطعته لنفسي، بدأت بمراسلة مراكز التدريب لتقديم دورات وكنت أعلم أن لدي محتوى تدريبي قوي وكل ما أحتاجه هو المكان . في البداية تعرضت للرفض من مركز تدريبي لأني لاأزال طالبة جامعية والمركز لا يقبل إلا خريجات. بحثت عن مركز ومكان آخر ووجدت النادي الصيفي في كليتي وتواصلت معهم ولكن ذكروا أنه يوجد لديهم مدربة لغة إنجليزية. لم أفقد الأمل وبدأت بتجهيز الدورة أملًا بإيجادي لمكان استطيع أن أقدم فيه وارفع الوعي بالطريقة الصحيحة لتعلم اللغة الإنجليزية. مما دفعني فعلًا للاستمرار في البحث عن مكان، هو أنه في يوم من الأيام كنت أريد شخص يعلمني كيف أتعلم اللغة الإنجليزية، كنت أعلم أنه يوجد أشخاص في حاجة ما أعرفه. ذات يوم استيقظت على رسالة من النادي الصيفي في كليتي مفادها أن مدربة اللغة الإنجليزية اعتذرت عن تقديم الدورة ويريدونني أن أحل مكانها ،وهنا أيقنت الأمل جهد عمل والجهد لا يضيع! أثناء تجهيزي للدورة حصلت على عمل في نادي الحي لتعليم أساسيات اللغة الإنجليزية للأطفال لمدة شهر وبرسوم رمزية. كانت تجربة رائعة ولكن بنهايتها قررت عدم تدريس أي طفل مجددًا ولا أعلم  حقيقة لماذا يسمونهم ملائكة الرحمن. قضيت معهم أوقات رائعة وعرفت أن الأطفال لا يحتاجون أستاذ فقط يعلمهم، يحتاجون صديق بإمكانهم يلجؤون إليه. لا أحد منّا يعلم ما يمرون به من ظروف وإهمال وتجاهل لهم، المدرسة ربما تكون ملجأ لهم لا نريد أن نجعلها جحيم آخر لهم. حل موعد الدورة التي سأقدمها في الجامعة، تجهزت لها بكل ما استطعت من محتوى وجهد. في اليوم الأول وقبل دخولي القاعة تملكني شعور غريب ، يا إلهي أريد الهرب إلى أحد دول أمريكا الجنوبية وتغيير اسمي والعيش هناك بدون مخاوف! أنا غير معتادة على الحديث أمام جمهور كبير جدًا. بعدها دخلت ونظرت لوجوه الحاضرين وقلت لنفسي أن بعضهم قطع مسافات طويلة لحضور هذه الدورة وثم أكافئهم بالهرب، كنت عازمة قبل سؤالي لنفسي هذا السؤال على الهرب والاختفاء. استجمعت قواي ولن تصدقوا أنه بعد خمس دقائق فقط، كنت اضحك وأناقش معهم الصعوبات التي تواجههن في تعلم اللغة لإنجليزية. تلقيت ردود فعل جميلة جدًا على ما قدمته، لأنني لم أعلمهم اللغة الإنجليزية، كيف أعلمهم أساسيات اللغة أو أي شيء يخصها في ثلاثة أيام فقط؟ علمتهم خطوات عملية لتعلم اللغة الإنجليزية  بطريقة صحيحة. كانت هذه التجربة بمثابة تذكرتي للعبور لمواجهة الجمهور وكسر الحاجز النفسي الذي خلقته لنفسي من العدم، وهنا نجحت نجاح آخر. كنت أفيض بالمعلومات والطرق الكثيرة للتعلم، لدرجة أني كنت غير قادرة على الامتلاء مجددًا. أردت مشاركة ما عندي حتى أشعر بالخفة والمواصلة لتعلم المزيد. وهنا بالطبع لن أنس ما حييت حجم الفرصة التي قدمتها لي كليتي بعد الله في كسر هذا الحاجز واستقبالي لتقديم دورة مع أنّي كنت لاأزال على مقاعد الدراسة.

بدأت السنة الأخيرة، وعزمت فيها على رفع معدلي بكل ما أوتيت من قوة، كتبت المعدل الذي أريد تحقيقه ووضعته أمامي وفي النهاية حصلت عليه. كتابة الأهداف من أفضل الطرق التي تجعلك تكون عازم على تحقيقها، يبدأ عقلك الباطني بإقناعك بكون الأمر مهم وأنه يجب عليك تحقيقه، فقانون العقل الباطني يقول  " إن الأفكار تجسد نفسها فعندما تعيد تشغيل صورة هدفك مرارًا وتكراراً في عقلك الباطن، فإنك تبدأ الاعتقاد بصورة متزايدة بأن هدفك قابل للتحقيق وبينما ينمو إيمانك، يبدأ هدفك في التجسد إلى شكل مادي في عالمك الخارجي أسرع مما تتخيل في بعض الأحيان." كتبت قائمة بالأهداف التي أريد تحقيقها وجميعها تحققت بفضل الله ثم بكتابتها والعمل فعلًا على تحقيقها. في هذا المستوى تعرضت لضغط دراسي كبير بسبب قرار من كلية البنين بوضع 6 اختبارات للمادة الواحدة، بعض الأحيان أشعر أن كلية البنين في جامعتنا وُجدوا لاتخاذ قرارات فيها تعسير لحياة الطالب . بنهاية الترم كنت قد خضعت لـ42 اختبار، وعندما استفسرت عن السبب لم أجد أي رد. سمعت مرة أحدى منسوبات الجامعة تقول أنهم يجرون دراسة لمعرفة فائدة هذا النظام، شعرت حينها أنّي مجرد رقم في إحصائيات دراسة ولا يوجد أي احترام لي كطالب ولا لعقلي أيضًا. هذا النظام أفسد سنتي الأخيرة دراسيًا، لكن لن يجرؤ ولن يستطع أي نظام تعسفي تدمير ما تحب وما تؤمن به، كنت مخيرة بين التشكي وإلقاء اللوم وندب حظي أو العمل على تحقيق ما أريد، اخترت الخيار الثاني بالطبع. في هذا المستوى شعرت بالفخر بكليتي كثيرًا، على الرغم من ضغط الإختبارات قُدمت دورات كثيرة في مجالات متنوعة مثل المقابلة الشخصية وكتابة السيرة الذاتية ومهارات التواصل والكثير من الدورات. لكن من أهمها إقامة سيمينار بعنوان " طرق لتعزيز مهارة التحدث باللغة الإنجليزية" شاركت فيه وحصلت على المركز الثاني واخبرتني إحدى الدكتورات أنها ستقتبس في بحثها من الورقة التي قدمتها، نجاح آخر!

كنت اتصفح التويتر كعادتي  ورأيت إعلان عن مسابقة الملتقى العلمي على مستوى الجامعة ،لم أتردد ولا لحظة في المشاركة. قدمت أوراقي لمشرفة الأنشطة وساعدتني من أول يوم وحتى آخر يوم  في الملتقى. لا أعلم صراحة ماذا أكتب عنها، كانت تعي فعلًا حجم المهمة التي أُسندت إليها، وتم تعيين مشرفة لي باقتراح من رئيسة القسم، ولو لم يأتِ منها إلا هذا الاقتراح لكفاها. قدمت بحث باللغة الإنجليزية وكانت أول مرة اكتب بحث بلغة أخرى. كتبت فيه عن مشاكل تدريس اللغة الإنجليزية في مدارس التعليم العام وبذلت جهد كبير عليه.  كانت مشرفتي تثق فيني كثيرًا، قبل تعديلها لجزئية أو خطأ نحوي تخبرني لماذا تم تعديله وتسألني قبل ذلك إذا كنت موافقة أم لا، كانت أحيانًا ترسل لي ملفات ومراجع لبحثي الساعة الواحدة ليلًا مع أنه هذه مهتمي في البحث. أنهيت بحثي بصعوبة ،أخذ الأمر مني وقتًا طويلًا لكن كنت أعلم في قرارة نفسي أنه سيذهب بعيدًا. بدأت لجنة الملتقى العلمي بزيارة الكليات لتقييم المشاركين والكليات، وجاء اليوم الذي سأقدم عرضي فيه. قبلها بيوم ذكرت رئيسة القسم أنها لن تحضر إلا لأجلي، كان كلامها يعني لي كثيرًا ويدفعني لدفع نفسي لأقصى حد.  بدأت بتقديم عرضي لكن لم أكن راضية عنه، الجميع كان يتكلم كانت هناك فوضى عارمة، المسؤولة عن تحريك شرائح العرض تركتني مما دفعني لإكمال عرضي بنفسي، كنت مستاءة نوعًا ما وانعكس ذلك على ملامحي ولم يلاحظ هذا الاستياء إلا رئيسة القسم. كانت تجيد قراءة الأعين والملامح بطريقة تجعلني أشك أن أعين الآخرين تظهر منها حروف لا يقرأها إلا هي والمواقف كثيرة بهذا الشأن. ذكرت بأنها لاحظت أنني غير راضية إلا أنه مهما حصل القسم فخور بما قدمته . صحيح أنّي قدمته بثقة لكن لم يكن كما أريد، ربما أكون مدمنة مثالية! أثناء خروجي من القاعة اوقفتني مُحكمة من لجنة التحكيم وأخبرتني بأن أدائي كان رائعًا، وأنه من الأفضل أن أطبق ما ذكرت على أرض الواقع. ونصحتني أيضًا بأنه يجب علي تحسين نطقي في بعض الأحرف مثل Vو F ومن ذلك اليوم كنت أشبه ما يكون بالببغاء الذي يقلد كلام الآخرين، وانعكس تقليدي لأهل اللغة الأصليين على لغتي كثيرًا. ممتنة لها على عدم بخلها بنصيحتها فالمديح له نشوة مؤقتة تنتهي بمجرد انتهائك من العمل، لكن النقد البناء والإيجابي سيظل عالق في رأسك ومخيلتك لأنه يحسن منك ويطورك للأفضل بالطبع. شاهدت فلم عن موسيقار مُهوس بالكمال والانتقاد الحاد والقاسي، بالتأكيد لا أتفق على طرقه القاسية في التدريب لكن دار بينه وبين أحد طلابه حوار يشرح فيه اسباب انتقاده لهم بهذه الطريقة القاسية والمجنونة ولم أجد نفسي مضطرة إلى إعادة مشهد مرارًا وتكرارًا إلا هذا المشهد. بعد أن تم فصل الأستاذ من مدرسة الموسيقى لتسببه في دفع طالب للجنون والانتحار التقى بأحد طلابه وقال: "في الحقيقة لا أعتقد أن الناس يفهمون ما كنت أقوم به في شافير (مدرسة الموسيقى) أي شخص يمكنه التلويح بيديه ويبقي الأشخاص على إيقاع واحد. كنت هناك لأدفع الناس لأكثر مما هو متوقع منهم، اعتقدت بأن ذلك ضرورة ملحة وإلا فأننا نحرم العالم من لوي ارمسترونغ القادم أو تشارلي باركر الجديد (موسيقيان مشهوران). ذكر في حديثه كيف سطع نجم تشارلي باركر في سماء الموسيقى، كان تشارلي فتى في السادسة عشر عندما  انضم لفرقة موسيقية يقودها الموسيقار الشهير جو جونز فعندما خرج تشارلي عن الإيقاع رماه أُستاذه بالصنج (آلة موسيقية) وبعد سنة عاد تشارلي وعزف مقطوعة لم يعزفها أحد قبله ولن يعزفها أحد بعده. تخيل لو قال له أستاذه: عمل جيد تشارلي! لأنحرم العالم من موسيقار ومعجزة موسيقية ،نهاية الحوار."

 بعد مرور ثلاثة أسابيع تقريبًا، أعلنت الجامعة عن مواعيد التحكيم النهائي للمشاركات بعدها تلقيت اتصال من أمينة الملتقى العلمي في كليتي واخبرتني بظهور اسمي في التحكيم  النهائي. وبالحديث عن أمينة الملتقى توجد مقولة بالعامية " الحي يحييك" كانت بمثابة شعلة من الحماس و كانت تصر إصرار على تذكيري بأهمية فوزي في الملتقى لكليتنا. سافرت إلى الخرج مقر جامعتنا الرئيسي للمناقشة العلنية لبحثي، كانت تلك السفرة من أجمل سفرات حياتي مع أنها كانت يوم واحد فقط ومما زادها جمالًا، وجود " مطعم البيك" بجانب مقر السكن وإذا كنت في زيارة للسعودية وتحديدًا المنطقة الغربية لا تتردد ولا للحظة واحدة في تجربته. ذلك المطعم يبيع لك تجربة وليس مجرد وجبة وارتبط بالعمرة، فلا يمكن أن يخرج أحد من مكة بدون تجربته.

 طوال الطريق كانت تتصل علي أمينة الملتقى وتنصحنا بتخفيف السرعة وطلبت مني إخبارها عندما نصل، كنت أعتقد أن هذه الكلمات والنصائح حكرًا على الأمهات فقط . لديها حركة غريبة جدًا وتضحكني كثيرًا، كانت عندما تتصل وأنا غير موجودة بجانب الهاتف أعاود الإتصال بها مرة أخرى،  تقطع اتصالي وتتصل هي بنفسها !أعتقد أنها لا تريدني أن أخسر رصيد من هاتفي. ردود الفعل والحركات العفوية ولغة العيون من أكثر الأشياء التي تكون عالقة في مخيلتي مهما حصل. يوم التحكيم النهائي، منذ أن استيقظت ذلك اليوم كان يتملكني شعور بالطمأنينة والثقة تجهزت وذهبت للمكان باكرًا حتى ادخل في الأجواء ،قدمت عرضي وبفضل الله استطعت الإجابة على جميع أسئلتهم. خرجت من المكان بثقة وارسلت لمشرفتي أنه مهما كانت النتيجة سأظل ممتنة لأني عملت معها ولكن أخبرتني أنّي سأحصل على مركز متقدم. يوم الخميس كان يوم النتائج، تلقيت رسائل من مشرفة الأنشطة وأمينة الملتقى بأنّي حصلت على المركز الثاني على مستوى جامعتي، قفزت من سريري وبدأت كعادتي عند تلقي خبر جيد بالصراخ. الحمد لله نجاح آخر! كان ذلك الأسبوع حافل بالأحداث ،اختبرت اختبارين في يوم واحد لتعويض ما فاتني بسبب غيابي ،وتلقيت رسالة من دكتورتي تخبرني بأنه هناك مسابقة تحدث باللغة الإنجليزية في كلية التقنية العالمية لوريت، شاركت فيها وقدمت خطاب عن عدم جدوى كثرة الاختبارات وتعزيز فكرة التعليم التقليدي والتعليم بالتلقين. ذكرت فيه أن معظم مسؤولين التعليم يبالغ في فرض الاختبارات على الطلاب بحجة دفعهم للإنتاجية، ولا يعلم هذا المسؤول صاحب الشهادات الكثيرة وحسن التصرف القليل عن الفرق بين كونك منتج وكونك مشغول! الطلاب مشغولين وليسوا منتجين. الإنتاجية تكون بالكتابة بالتفكير الناقد بالعمل والتطبيق العملي بإنشاء الأندية الثقافية والعلمية المختلفة والأمثلة تطول بخصوص موضوع دفع الطلاب للإنتاج. استيقظ أخي المسؤول واخرج من مكتبك الفخم وانزل الميدان لتعرف حجم أخطاء قراراتك ولا بأس في التراجع عنها لا يوجد ما يستدعي الخجل، تراجع أدباء عن أفكارهم ومفتين عن فتاويهم وملوك عن حروبهم، فكيف تخجل من التراجع عن رأيك وفكرك؟

كان المستوى الثامن بمثابة حصد الإنجازات وحصد ثمار العمل قدمت عرضيين في النادي وعملت على إقامة أنشطة فيه بمساعدة فريق عمل لولاهم بعد الله لما نجح النادي. المشاركة في الأندية والمسابقات المختلفة مثرية للطالب الجامعي، تجعله يتعرف على ما يريد عمله مستقبلًا، شخصيًا تأكدت فعلًا من رغبتي بأن أكمل المسيرة في مجالي وتخصصي بعد مشاركتي في مسابقات الجامعة المختلفة وأيضًا مشاركتك في الأندية والمسابقات مثرية لسيرتك الذاتية بعد التخرج. فأنا من محافظة يكاد ينعدم فيها وجود أماكن تساعدك على تطوير نفسك فكريًا وعمليًا ولكن الجامعة سدت هذه الفجوة وكنت أعلم أن فرص التعلم والاحتكاك بأصحاب الخبرة  ستكون قليلة خارج أسوار الجامعة.  يوم بعد يوم كنت  اقترب من تحقيق حلمي الأكبر والأسمى، حلم التخرج. كنت عندما تشتد الضغوط  أتذكر أنّ حلمي قارب على النهاية و لن أدع الفرصة تفلت من يدي.

 26-7-1439  يوم مراسم تخرجي من الجامعة لازالت مشاعر ذلك اليوم باقية فيني وكلي يقين أنها ستبقى في داخلي ما حييت. بالأمس فقط اتخذت قرار التحويل واليوم على مشارف التخرج. شعور تحقيق الأحلام لا يمكن وصفه، تمنيت أن أُرزق بموهبة الشافعي وعذوبة كلمات الطنطاوي وعمق كلمات رجاء النقاش حتى استطيع وصفه. تجتمع في ذاكرتك كل ما مررت به من حزن ويأس وفشل وإحباط ونجاح، ثم ترتسم على وجهك ابتسامة صادقة استطيع القول بأنها أصدق ابتسامة لأنك وحدك فقط تعرف كل ما مررت به. لايزال صراخ أختي بإسمي عالق في رأسي عندما ذُكر إسمي في مراتب الشرف، كانت تصفق وتصرخ وكأنه لا يوجد أحد في المكان إلا هي. صعدت للمنصة واستلمت شهادة ودرع حُلمي، ولازالت أختي تصرخ بإسمي. ذُكر اسم صديقتي بعدي مباشرة، وبالحديث عنها كانت هذه الصديقة تثق فيني وبقدراتي ثقة لم يعطيني إياها أحد، كانت تقول لي ستصبحين وزيرة يومًا وكانت تعنيها فعلًا. كانت لا تستطيع الأكل وحدها أثناء الاستراحة بين المحاضرات، وكل مرة أخبرها بأني لا أريد تبدأ برفع صوتها وتقول " أنا أُمكم". أضافت لأيامي في الجامعة كثيرًا، وكنت الشخصية الوحيدة التي تتكلم معي بدون أن تخجل ربما وجدت شخص يناسبها فكريًا، وحتى لم تجد هذا التوافق الفكري فيني، أنا وجدته فيها.


بدأت الاختبارات النهائية الأخيرة وأخبرتني رئيسة القسم أنها ستشتاق لي كثيرًا، كنت أنظر في عينيها فقط وابتسم بدون النطق بأي كلمة وهذه مشكلتي الأبدية، عدم النطق بأي كلمة أثناء الإطراء، ربما أكون جيدة في الكتابة أكثر من  الحديث ولكن كنت أجيد قراءة لغة الأعين وأعلم أنها تجيد قراءة لغة أعيني أيضًا .كانت هذه الاختبارات بمثابة الجهاد لم يعد لدي أي طاقة أو قدرة، كنت أجاهد فعلًا! الغريب أنها مرت بسرعة و مر اختبار تلو الآخر وحتى وصلت لآخر يوم، يوم التخرج يوم الخلاص ويوم تحقيق الحلم. حلمي تحقق، أنا اليوم خريجة لغة إنجليزية بتقدير ممتاز مع مرتبة الشغف والشرف. تحقق الحلم وانتهت رحلتي الجامعية ووصلت لخط النهاية.

 الجامعة من أهم المحطات العلمية والعملية في حياتك، لن تكون الشخص نفسه الذي دخلت الجامعة بعد خروجك منها. استفد من وقتك في الجامعة وخض التجارب، خوضك للتجارب سيخرجك من دائرة راحتك ،كيف تعرف نتائج عمل؟ بتجربتك له بالطبع. وكيف تعرف شخصيتك ونفسك؟ بخوضك للتجارب. كل ما كتبته هنا ليس له علاقة بالأدب وبالكتابة الأدبية، فقط شعرت بأنّي أريد أن أكتب وأكتب بدون توقف. ربما توجد الكثير من الأخطاء النحوية والأخطاء الإملائية وحتى أنّي طلبت مساعدة أختي في تركيبة بعض الجمل ووصفتني بأني انسلخت من لغتي وهويتي  بعد دراستي لـ4 سنوات في تخصصي.

"النهاية"

تعليقات

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
    الردود
    1. أسعد بأن أكون أول من يعلّق على ما كتب قلبك قبل يمناك...
      من كانت تلميذتي يوماً -وأفتخر- وبالقلب أختاً وأكثر 💙
      لا زلت أذكر مقعدك من القاعة عند الباب يساري💘
      سعيدة...... جداً أن عشت مراحل نجاحاتك... لأني حقيقي لم أكن أرى سوى نجاحات ذكرتيها لي أم رأيتها وتأملتها بنفسي!
      أحببت قولك بعد كل تجربة "نجاح آخر! فشل آخر!"
      الاعتراف شي جميل.. لكن يبقى الفشل نجاحاً حينما نقف من جديد.. وكذلك فعلتِ!
      فخورة بك كثيراً، وسعيدة بك أكثر!
      للنجاح أهلٌ له، وأنتِ أهلاً له مع مرتبة الشغف والشرف ; )
      -شكرًا لذكري من بين السطور💙-

      حذف
  2. أهلًا..ممتنة لمعرفتي بك قلتها مرارًا وتكرارًا :)
    شكرًا لردودك المليئة دائمًا بالعفوية والتفاصيل..

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مرتبة الشغف (الجزء الثاني)

كيف تطور من مهارة التحدث؟

كيف تتعلم اللغة الإنجليزية بطريقة صحيحة وأكاديمية