تجاهل الإنتقاد


يخلط كثيرًا من الناس بين مفهوم المجاملة ومفهوم النقد، فنجد بعض الأساتذة يثني على طلابه بغرض تشجيعهم ولا ضير في ذلك بالطبع، لكن كيف يعرف الطالب نقاط ضعفه إذا استمر الأستاذ بتشجيعه وعدم إخباره بها بحجة عدم رغبته في إحباطه؟ طوال حياتي الدراسية في المدرسة لم يخبرني أحد بأنه علي أن أطور من لغتي الإنجليزية وكنت سعيدة بالمستوى الذي امتلكه، لكن الصدمة الحقيقية كانت عند دخولي الجامعة واكتشاف أن لغتي لا تؤهلني للدراسة الاكاديمية مما أصابني بالإحباط لأنني استوعبت عدم كفاءتي متأخرًا. الثناء والمديح جيد لكن هذا لا يمنع بأن نتغافل عن الانتقاد وتحسين المستوى لأنه سيجعلنا أفضل بالطبع بعكس المديح الذي يشعرنا بسعادة ونشوة مؤقته تنتهي بمجرد انتهائنا من أي عمل نعمل عليه. مما أجبرني على كتابة هذا المقال أنه بالأمس كنت أشاهد فلم عن موسيقار مُهوس بالكمال والانتقاد الحاد والقاسي، بالتأكيد لا أتفق على طرقه القاسية في التدريب لكن دار بينه وبين أحد طلابه حوار يشرح فيه اسباب انتقاده لهم بهذه الطريقة القاسية والمجنونة ولم أجد نفسي مضطرة إلى إعادة مشهد مرارًا وتكرارًا إلا هذا المشهد. بعد أن تم فصل الأستاذ من مدرسة الموسيقى لتسببه في دفع طالب للجنون والانتحار التقى بأحد طلابه وقال: في الحقيقة لا أعتقد أن الناس يفهمون ما كنت أقوم به في شافير (مدرسة الموسيقى) أي شخص يمكنه التلويح بيديه ويبقي الأشخاص على إيقاع واحد. كنت هناك لأدفع الناس لأكثر مما هو متوقع منهم، اعتقدت بأن ذلك ضرورة ملحة وإلا فأننا نحرم العالم من لوي ارمسترونغ القادم أو تشارلي باركر الجديد (موسيقيان مشهوران). ذكر في حديثه كيف سطع نجم تشارلي باركر في سماء الموسيقى، كان تشارلي فتى في السادسة عشر عندما  انضم لفرقة موسيقية يقودها الموسيقار الشهير جو جونز فعندما خرج تشارلي عن الإيقاع رماه أُستاذه بالصنج (آلة موسيقية) وبعد سنة عاد تشارلي وعزف مقطوعة لم يعزفها أحد قبله ولن يعزفها أحد. تخيل لو قال له أستاذه: عمل جيد تشارلي! لأنحرم العالم من موسيقار ومعجزة موسيقية ،نهاية الحوار.
 النقد القاسي والمُدمر للآمال غير مرغوب بالطبع، لكن لو كنت مؤمن بما تعمله لن يدمرك بل سيدفعك لتقديم الأفضل. لو تمعنا النظر في الأشخاص من حولنا لوجدنا أنهم جميعًا أصبحوا متشابهين، لا أحد يريد أن يكون عادي ويكون عمله جيد، الجميع يريد أن يكون مميز وعمله مُختلف. العواطف والمجاملات لن  تؤدي إلى نتيجة مميزة وفارقة، النقد البناء والنقد المُوجه قادر على صنع الفرق. لو ألقينا نظرة على برامج الواقع في التلفاز كالبرامج الغنائية وبرامج مسابقات الطبخ وأشهرها برنامج Hell's Kitchen  لا أحد يأخذ اللقب إلا من استحقه بجداره وتحمل الصراخ والنقد القاسي من قبل الشيف رامزي، هدفه لا يريد شخص "عادي" يفوز باللقب يريد التميز. ربما لا تجد أحد تلجأ إليه لتقييمك لكن مع خوضك للتجارب وإقحامك لنفسك في غمار المجهول ستعرف ماهي نقاط ضعفك وقوتك. لا تعتقد بأنه ليس لديك الخبرة لأن الجميع عند بداياتهم كانوا عديمين الخبرة واكتسبوها بخوض التجارب وإلقاء أنفسهم في البحر ومن ثم أجادوا السباحة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مرتبة الشغف (الجزء الثاني)

كيف تطور من مهارة التحدث؟

كيف تتعلم اللغة الإنجليزية بطريقة صحيحة وأكاديمية